وجود السينما يعني وجود سوق وأرباح
الفيلم السعودي.. ومأزق مواجهة الجمهور
الفيلم السعودي كان غائبا عن الجمهور السعودي، ولكن كان حاضرا في المهرجانات السينمائية، وأيضا في الاحتفاليات التي تقام محليا كمهرجان الأفلام السينمائية السعودية. وما بين مفارقة الغياب والحضور كان السينمائي السعودي في ذلك الوقت مبجلا ومحتفى بجهوده الذاتية، فهو عند صناع السينما في الخارج أشبه بالمناضل الذي ينتج ويخرج أفلاما في بلد لا وجود فيه للسينما؛ لذا كان يتم النظر بعطف سينمائي واحتفالي إلى تلك التجارب السينمائية، وبعضها يبجل ويفوز بالجوائز.
الآن، وبعد السماح للسينما وبوجود صالات العرض، السينمائي السعودي في مأزق؛ لأنه سيواجه الجمهور مباشرة، الذي لن يقبل بحضور فيلم سيئ المستوى. وفي ضوء هذه الحالة السينمائية الجديدة، نرصد آراء عديد من الأسماء التي لها حضور في المشهد السينمائي السعودي:
(1)
فهد اليحيا (ناقد سينمائي)
يقول: إن الفيلم السعودي - في تقديري - سيواجه تحدياً كبيراً.
أولاً، كل الخبرات السابقة من الأفلام القصيرة والأفلام الطويلة/الروائية معدودة. وعديد من هذه الأفلام القصيرة جيدة وجديرة بالجوائز التي حازتها (وإن كانت لا تخلو من مجاملة هنا وهناك.!)، والطويلة لم تحصل أصلاً على فرصة للاختبار في عروض جماهيرية في الداخل. ثانياً؛ الأفلام القصيرة لا يقبل عليها الجمهور كثيرا، وعادة ما تعرض في دور عرض خاصة ونوادي السينما، وعندما يتم عرضها في المهرجانات السينمائية والنوادي الأدبية والجمعيات الفنية، وبالتالي يكون الحضور نخبوياً كالعادةً. ثالثاً، الأفلام الطويلة شروطها الفنية مختلفة، كما إنتاجها أكثر كلفة وتعقيداً. رابعاً، ليس هناك بعد تاريخي لصناعة السينما عندنا، وبالتالي المقارنة بالأفلام التي اعتاد السعوديون رؤيتها على مدى العقود الماضية عربية وأجنبية ستكون تحدياً كبيراً. خامساً، الأفلام العربية والأجنبية أكثر اتساعا وتنوعاً من حيث الموضوعات والتناول، وهو أمر لا تستطيع الأفلام السعودية مجاراته في الوقت الحاضر. وعلى كل حال هي الآن مرحلة لا أقول مخاضا، ولكن مرحلة مبكرة، وهناك أفلام طويلة في الطريق، وستكون محكاً للسينما السعودية المقبلة، وستكون جسراً للمرحلة التالية.
(2)
فهد الأسطا (كاتب سيناريو)
يؤكد أنه لا يختلف كثيرا مع مقدمة السؤال، لكنه يعتقد أن كثيرا من الإنجازات التي حدثت خارجيا للفيلم السعودي لم تكن فقط نتيجة شيء من التعاطف والاحتفاء المفتعل تجاه الفيلم السعودي، باعتباره وليد ما أسميته النضال الفني في بلد لم يكن يؤمن بالسينما سابقا، بل إننا لا يمكن إنكار أن هناك منجزا فنيا يستحق ما حصل عليه.
يقول، دعنا ننعطف نحو النقطة الأهم في السؤال حول المأزق الذي يواجه صانع الأفلام السعودي، وهو يقف حاليا في مواجهة جمهوره داخل بلده؟.. نعم، لا يمكننا مواراة هذا الأمر حتى لو لم نسمه مأزقا، إلا أن الحقيقة أننا لا نملك أساسيات الصناعة سوى بعض المواهب في الكتابة والإخراج وبعض المجتهدين أيضا الذين بمجملهم لا يمكن أن يقيموا صناعة سينمائية أو استثمارية حقيقية، فضلا عن الغياب التام للمنتج، وهو العنصر الأهم الذي أيضا لا يمكن أن يجازف ما لم يجد مردودا ماليا مقنعا.
نعم ستظهر بعض التجارب والمجازفات أو حتى الأفلام المدعومة من برامج معينة، لكننا حينما نتكلم عن سينما صناعة وفن واستثمار، فنحن فعلا في ورطة، ونحتاج إلى استراتيجية واقعية تراعي جميع العوامل، وتستفيد من تجارب الدول المشابهة.
(3)
فهمي فرحات (مخرج سينمائي)
منذ دراستي في كاليفورنيا (قبل أحداث 11 سبتمبر 2001) وأنا أعمل هناك، وفي رأيي أن السعودي لم يكن مبجلا، بسبب أنه لا يوجد في بلده سينما. لفترة طويلة والغرب وتحديدا الفنانين هناك والحزب اليساري ينظرون إلينا كدولة متأخرة فنيا، كما يرانا بعضهم من الجانب السلبي. وفِي الوقت نفسه نحن دولة مؤثرة ونشد انتباه العالم، لذا منذ عقود ونحن تحت المجهر. وهذا أفسح لنا فرصة أن نحكي قصصنا، قصصا يصعب على الأغلب الوصول إليها. اليوم دور العرض في أغلب دول العالم تغلق ومنصات الـ»VoD» على الإنترنت في تزايد. (مثل أمازون بريم - نتفلكس - شاهد - شاشتكم وقريبا ديزني بلس….)، ومما يدعو إلى الشك أن عدم وجود صالات للسينما لم يكن عائقا لصناعة السينما. ونحن من عقود طويلة نصنع أفلاما ونشارك عالميا ولن نتوقف. بالعكس سنستمر أقوى من قبل. صالات العرض هي للسينما التجارية. هوليود. بوليود. مصر وباقي العالم. والأفلام في كل مكان في العالم تنقسم إلى أعمال فنية «Art House». تجاري. مستقل. مدعوم حكوميا. أفلام الأوسكار. أفلام المهرجانات. وغيرها، وكل واحدة منها لها سوقها وتحدياتها، هذا حال كل دول العالم.
وأي فيلم أو عمل إبداعي يقابل متاعب وصعوبات. حالنا مثل حال أي دولة. لم تكن لدينا سينما، وتنقصنا معاهد وكوادر فنية، ولكن من رجوعي من لوس أنجليس في (2010) وأنا أرى أن السعودية فيها خير وثراء في تعدد سكاني وفِي طاقة شبابية وفِي بعثات وفِي رجال أعمال ومستثمرين ودعم حكومي. وكل دولة لها تحديات في الإنتاج السينمائي، ومثلما قال الرئيس الأميركي جون كينيدي في الستينيات عندما أعلن إصرار الأميركان على غزو الفضاء «اخترنا أن نذهب إلى الفضاء، ليس لأنه سهل؛ بل لأنه صعب».
(4)
عبير العنزي (مخرجة سينمائية)
نعتقد أن مرحلة السينما الآن ستكون أفضل من الفترة الماضية، رغم أن الفيلم السعودي كان حاضراً في المهرجانات.
تقول: لم يكن يحكم عليها كونها عملا فنيا بما أنها عمل نضالي أو طريقة للتعرف على الآخر الغائب، لكن الآن بعد السينما عندنا أكبر قاعدة جماهيرية مستهدفة على مستوى الخليج بالبرامج أو المسلسلات أو الأفلام، والذائقة ما زالت ترتفع بشكل عال، وهذا يزيد حدة التنافس والتطلعات للفيلم السعودي، لكن وجود صالات السينما وصناعتها يعني وجود مستثمر، وهذا الوجود يعني أننا خرجنا من دائرة الإنتاج الضعيف، واتجهنا إلى أن يكون لدينا سوق وأرباح، وبالتالي تنافس أكثر، والأهم قصصنا وثقافتنا لم تجد طريقها للسينما حتى الآن، ولو كان هناك عمل فني حقيقي فثق بأن الجمهور سيتواصل معه؛ لأنه يحكي حكايته ويشبهه، وهذا ما لمسناه في نجاح المسلسلات السعودية التي تتحدث عن المجتمع المحلي.
http://www.alriyadh.com/1745856